تقنية التحرك داخل المباني عن طريق أجهزة البلوتوث:
إذا كان ظهور تقنيات GPS قد أدى لإحداث نهضة جيدة في مجال ابتكار أجهزة متوافقة لاستخدام المكفوفين بغرض تسهيل الحركة بالخارج، إلا أن القليل من الاهتمام يتم إيلاؤه لقضية تتبع الاتجاهات والتنقل داخل المباني. فباستثناء العلامات الأرضية ولوحات برايل أو حتى العلامات الناطقة التي تمد المستخدمين بمعلومات أساسية حول المعالم الرئيسية بالمكان وليست ذات انتشار واسع، فإن التقنيات التي تم تطويرها للتحرك في الأماكن المغلقة تكاد تكون محدودة للغاية، الأمر الذي يشكل عقبة كبيرة أمام المكفوفين بسبب عدم قدرتهم على الحصول على الإرشادات اللازمة للتحرك داخل مباني كالمدارس والجامعات والمجمعات التجارية وغيرها.
ولكن في الآونة الأخيرة، بدأت هناك محاولات جادة من بعض الشركات الناشئة في تقديم حلول لهذه المشكلة، أحدها تلك التقنية التي تعتمد فكرتها على تواصل أجهزة بث بلوتوث مع الهواتف الذكية الموجودة مع المكفوفين. يقوم مهندسو الشركة بدايةً بتثبيت أجهزة صغيرة تسمى beacons على الحوائط والمداخل والأماكن المهمة بالمبنى، وهي عبارة عن أجهزة إرسال تبعث إشارات لمسافة تتراوح بين متر واحد إلى 30 مترا، ثم يقومون بإنشاء طرق مسبقة عن طريق تصميم خريطة ثلاثية الأبعاد تعتمد على مواقع تلك الأجهزة وعلاقتها ببعضها، ويقوم الكفيف بعد ذلك بتشغيل خاصية البلوتوث في هاتفه الجوال وتحميل تطبيق بسيط يتمكن من التواصل مع تلك الأجهزة واقراءة محتوى الخرائط المصممة مسبقا. يقوم التطبيق حينئذ بإعطاء الكفيف إرشادات صوتية بالاتجاه المناسب حسب المكان الذي يريد الذهاب إليه. ويشير مطوروا هذه التقنية أنه بالإضافة إلى توجيه المكفوفين داخل المباني، فمن الممكن الاعتماد عليها لأداء أكثر من وظيفة، مثل إرسال إشعارات إلى الجوالات تحتوي على معلومات خاصة بمكان ما حين الوصول إليه، أو حجز مكان في الصفوف عن بعد، أو غير ذلك من الاستخدامات التي قد تطرأ على ذهن المستفيد.
مزايا تقنية التحرك داخل المباني بالبلوتوث
- تعمل على معظم أنظمة الهواتف المحمولة طالما أنها تدعم تقنية البلوتوث.
- بما أن البلوتوث من التقنيات التي تستهلك طاقة منخفضة، فإن عمر بطاريات أجهزة البث يكون طويلا، إذ يتراوح بين سنة و4 سنوات.
- على الرغم من إنها تقنية موجهة للجميع، إلا أنها تساعد فاقدي البصر بشكل كبير في التوجه داخل المباني والحصول على معلومات بشكل لم يسبق لهم من قبل بفضل ما تقدمه أجهزة البث تلك من معلومات متعلقة بالموضع المُثبَتَة به.
- عالية الدقة، بحيث يمكنها توجيه المستخدم الكفيف إلى مدخل معين بإرشادات مبسطة كالاعتماد على أسلوب التوجيه بنظام عقارب الساعة أو بعدد الأمتار أو باتجاهات البوصلة.
- مرونة في التركيب، إذ أنها لا تتأثر بالعوامل التي تحد من جودة الgps أو الوايفاي، فهي يمكن ضبطها لتعمل في نطاق معين، كما يمكن التعويض عن أي قصور في التغطية بزيادة عدد الأجهزة أو تحريكها بالشكل المناسب.
عيوب تقنية التحرك داخل المباني بالبلوتوث
- صعوبة الصيانة، إذ أنها تتطلب خبير مختص يقوم بتصميم الخرائط الخاصة بالمكان وتثبيت أجهزة البث بشكل سليم.
- تحد من مرونة التعديل في المكان، إذ أن أي تغيير في نمط المكان أو أثاثه يؤثر على الخرائط وبالتالي قد يمِد المستخدمين بمعلومات مشوَشة.
- هناك خطورة أمنية متعلقة بإمكانية اكتشاف القراصنة للخرائط وتغييرها أو إرسال معلومات مضللة للمستخدمين. لذا يُنصح بالتأكد من مدى أمان الخرائط عند التركيب، ولكن يجدُر التنويه إلى أن تلك الأجهزة في حد ذاتها ليس بإمكانها تخزين أي معلومات عن المستخدم، فهي إجهزة إرسال فحسب.
- قد تكون تكلفة تركيبها وصيانتها مرتفعة، خصوصا إذا كان المكان كبيرا نوعا ما كجامعة أو مجمع تجاري أو مطار.
الخاتمة
هناك الكثير من العوامل التي تتضافر لتطوير تقنيات مساعدة في الحركة والتوجه، ولكن لا يوجد هناك إجماع حول ماهية المعلومات التي ينبغي أن يتم إمداد المستخدمين بها. فلدينا مثلا التقنيات التعويضية عن البصر – كعصا الليزر أو كاميرات The vOICe – تحاول إمداد المستخدم بصورة ثرية عن البيئة المحيطة، فعلى الرغم من اختلاف تلك الأجهزة في الدقة، إلا أنها جميعا تشترك في التوجه القائم على ضرورة إمداد الكفيف بأكبر قدر ممكن من المعلومات عن الصورة البصرية. ولكن على الصعيد الآخر، يوجد التوجه المرتكز على أن أنجح حلول الحركة والتوجه قائمة على بساطة المعلومة المعروضة مثل عصا السونار. بناءا على هذا التصور تكون محاولة إيصال كمية ضخمة من المعلومات أمرا معقدا، فهذا الفريق يتبنى فكرة أن الجهاز يجب أن يوفر المعلومات المهمة فقط والتي تساعد الكفيف على التحرك الآمن والمستقل فحسب، مثل اكتشاف العقبات أو معرفة الموقع الحالي.
هذا الاختلاف في وجهات النظر يطرح بقوة قضية أن هناك حاجة ماسة لدراسات سلوكية محايدة لإثبات فعالية الأدوات الإلكترونية المساعِدة على الحركة، وذلك لأن معظم الدراسات والأبحاث في هذا المجال شملت عينات بسيطة من المستخدمين أو أجريت من قبل مطوري الأجهزة أنفسهم. فمثلا يجب التثبت بطريقة علمية محايدة من أن الأجهزة عالية الدقة تمد المستخدمين بمعلومات مهمة أو أنها تشتتهم بإصدار الكثير من النغمات والاهتزازات غير المفهومة.
كما أن من الضروري أخذ المنفعة الوظيفية للجهاز بالاعتبار، فعدم الاتصال الجيد بين ما يفعله الجهاز وما يحتاجه المستخدم يعكس التواصل غير الهادف بين المؤسسات المعنية بقضايا المكفوفين ومطوري تلك التقنيات. فنقص التواصل هذا مصحوبا بقلة الأبحاث الموضوعية ومحدودية فرص التمويل هي من الأسباب الرئيسية لعدم وجود قبول واسع لحلول الحركة والتنقل التقنية في أوساط المكفوفين.