الحركة والتوجه
قبل الشروع في الحديث عن التقنيات، يجب أن نفرِّق أولاً بين مفهومَي الحركة والتوجُّه، فعلى الرغم من كَونهما مفهومان مترابطان، إلا أنهما مختلفان في سياق مساعدة الأشخاص المكفوفين:
الحركة (mobility)
تشير إلى القدرة على التحرك بأمان وكفاءة واستقلالية من مكان إلى آخر. بالنسبة للأشخاص المكفوفين، يتضمن ذلك:
- استخدام وسائل مساعدة للتنقل مثل العصا البيضاء أو كلب الإرشاد
- المقدرة على التنقل في مختلف البيئات (الداخلية والخارجية)
- مهارات تجنب العوائق والمخاطر
- القدرة على عبور الشوارع بأمان
- استخدام وسائل النقل العام
التوجه (orientation)
هي مهارة تتعلق بمعرفة الشخص لموقعه في المساحات الفارغة وعلاقته بالأشياء الأخرى في البيئة المحيطة. بالنسبة للأشخاص المكفوفين، يشمل ذلك:
- فهم الموقع الحالي داخل مكان ما وعلاقته بالأماكن والأشياء الأخرى المحيطة.
- إمكانية التعرف على المعالم والإشارات البيئية
- القدرة على إنشاء واستخدام خرائط ذهنية للأماكن
- الحفاظ على الإحساس بالاتجاه
اختصاراً، فإن مهارات الحركة ترتكز حول عملية التنقل الفعلية من مكان لآخر، في حين يركّز التوجُّه على مهارات الوعي المكاني وإدراك البيئة المحيطة. وكلاهما مهارات ضرورية للأشخاص المكفوفين يتدربون عليها ويطورونها بشكل مستمر، وتختلف بشكل جوهري عن عملية الحركة لدى الأشخاص المبصرين من جانبين أساسيين:
أولا، المعلومات البيئية
على الرغم من أن الهدف من التنقل بالبصر أو بدونه واحد، وهو التحرك بأمان من نقطة انطلاق إلى نقطة وصول، إلا أن المعلومات البيئية المتاحة التي يبحث عنها المبصرون تختلف تماما عن تلك التي يستهدفها المكفوفون. فإذا كنت تريد التوجه من منزلك إلى صندوق البريد المقابل مثلا، إذا كنت مبصرا فإن حركتك ستعتمد كليا على الإدراك البصري، إذ أنك ستلاحظ صندوق البريد والعقبات الموجودة بالطريق، ثم ستتخذ الطريق الأسرع الذي يوصلك إليه. فأثناء التفافك من خلف الدراجة المتوقفة عند الباب وانتظارك لعبور السيارة المنطلقة في وسط الشارع، لن تولي اهتماما للأصوات التي تحدث حولك إذ أنك تتفادى العقبات آليا في طريقك مستعينا بما تراه. كما أنك قد تعتبر أنه من غير المهم معرفة المسافات بين الأشياء وكيف يتغير موقعك من هذه الأشياء كلما تحركت. هذا هو مثال لما يطلق عليه (piloting) أي الاستعانة بمعلومات خارجية لتحديد موقع الشخص المتحرك وتوجهه في البيئة المحيطة.
وبما أن تحديد الموقع والتنقل القائم على سرعة الأشياء المحيطة يتم عادة من خلال تلميحات بصرية، فإن من البديهي أن تكون الوسائل الحسية الأخرى أقل دقة. فعلى سبيل المثال، الاستعانة بحواس كالسمع والشم واللمس يوصل معلومات أقل من البصر بكثير حول الحركة الذاتية للأشياء والهندسة التخطيطية للمكان ومسافة واتجاه المعالم الرئيسية بالمكان. وبالنظر إلى أن هذه المعلومات الهامة لكفاءة الإدراك المكاني والملاحة، يكون افتقار المكفوفين إلى الوصول الأمثل لتلك المعلومات في وضع غير مؤات بالمقارنة مع أقرانهم المبصرين، وكما سنلاحظ لاحقا، فإن دور التكنولوجيا المساعدة سيرتكز أساسا على تقليص الفجوة بين البصر والحواس الأخرى في هذه الناحية.
ثانيا، الإشارات الحسية غير البصرية:
هناك اختلاف رئيسي آخر خاص بالتنقل دون إبصار، وهو ضرورة تعلم تفسير الإشارات الحسية غير البصرية، فالمكفوفون يحتاجون إلى تعلم كيفية التحرك بشكل آمن في البيئة المحيطة بهم. فمثلا يجب عليهم تعلم فنيات اكتشاف العراقيل الموجودة في طريقهم وكيفية اكتشاف المنخفضات أو درجات السلم وتفسير أنماط إشارات المرور المختلفة لمعرفة إذا كان ضوءها أحمر أم أخضر وكيفية العثور على محطة الحافلات المناسبة وغير ذلك من المهام الملاحية الأخرى. كما يجب عليهم أيضا متابعة موقعهم ومدى تعلق مكانهم أو اتجاههم الحالي بالمكان الذي يرغبون في الوصول إليه. كل هذه المهام تحتاج إلى مجهود ذهني وإدراكي كبير ومقدرة دائمة على حل المشكلات التي قد تطرأ على عملية التنقل.
وبالمقارنة بوضع المبصرين، فإن تلك المهام لا تحتاج إلى نفس المجهود الإدراكي المبذول، إذ أنهم يتعاملون معها بشكل أوتوماتيكي فوري. فمعظم المبصرين مثلا لم يهتموا لتعلم كيفية تجنب الاصطدام بالعراقيل أو كيفية السير في خط مستقيم أو التعرف على المعالم الأساسية بالمكان، إذ أن كل ذلك لا يتم تعلمه بشكل منهجي، بل هي بالنسبة لهم عملية تلقائية مكتسبة. وعلى النقيض من ذلك، فإن المكفوفين الذين يجيدون الانتقال والسفر بأنفسهم قد تلقوا تدريبات مسبقة لاكتساب تلك المهارات. وبمعنى آخر، عملية التنقل المعتمد على الإبصار عملية حسية بشكل أكبر، في حين أن عملية التنقل بدون إبصار تمثل مسعى مرهق يتطلب الانتباه واستغلال كل الموارد الذهنية الممكنة.