دور التقنية الحديثة في تحسين الحركة والتوجه للأشخاص المكفوفين
مقدمة
تبقى القدرة على التنقل من مكان لآخر أحد المهارات اليومية الأساسية وواحدة من أهم مقومات الحياة الطبيعية التي يسعى كل إنسان للحفاظ عليها وتطويرها. ويقر الكثيرون أن القدرة على الإبصار تلعب دورا رئيسياً في تسهيل أداء تلك المهارة، ولكنهم أيضا سيجدون صعوبة في تحديد ماهية وتوقيت المعلومات البصرية التي يستعينون بها في الحركة والتنقل.
وبالرغم من أنه من السهل استيعاب فكرة التنقل بين الأماكن المألوفة دون الإستعانة بالبصر، كالتنقل من غرفة إلى غرفة أخرى في منتصف الليل مثلا، إلا أن هناك العديد من الأشخاص عاشوا تجربة التنقل في الأماكن الواسعة غير المألوفة دون الاستعانة بالبصر. تخيل مثلا أن تكون مغطى العينين ومطالب أن تصل إلى محطة القطار وتتحرك داخلها بمفردك لتستقل العربة التي يوجد بها مقعدك؟ قد يكون تخيّل ذلك صعبا، إلا أن الكثيرين من الأشخاص فاقدي البصر اعتادوا السفر بأنفسهم بشكلٍ يومي. ولكن لأجل ضمان تنقل آمن ومستقل، يحتاج المكفوفون إلى اكتساب مهارات تساعدهم في الحركة والتنقل، وكذلك يحتاجون للاستعانة بمصادر معلومات بيئية غير بصرية نادرا ما يهتم بها نظراؤهم المبصرون. كيف تتجنب مثلا الاصطدام بفرع الشجرة المتدلي أثناء تحركك على أحد الأرصفة الجانبية؟ أو كيف تتجنب السقوط في حفرة ما؟ أو إذا كنت تسير بالشارع، كيف تعرف أنك وصلت إلى المخبز أو إلى مكتب البريد أو إلى منزل صديقك الذي لم تكن تراه؟ كل تلك المهارات وغيرها يسعى فاقدو البصر دائما وأبدا لاكتسابها وتطويرها من خلال مُعينات بيئية أو حسية أو تقنية.
الوصول للمعلومة
ما تزال الصعوبة المتعلقة بالوصول إلى المعلومات المرتبطة بالتنقل تشكل تحديا حقيقيا للمكفوفين مثل معرفة أرقام الغرف والقاعات بالفنادق والجامعات وقراءة اللوحات الإرشادية بالشوارع ومعرفة أسماء المحلات التجارية وأرقام الحافلات والخرائط وغير ذلك. لنتخيل مثلاً أنك تريد الوصول إلى القاعة رقم 315 في مبنى ضخم بإحدى الجامعات دون أن تكون قادرا على قراءة أرقام القاعات، أو ترغب حتى في الوصول إلى خريطة المبنى .
ماذا عن برايل؟
ما من شك في أن وضع لوحات بطريقة برايل يساعد المكفوفين كثيرا في التعرف على الغرف والأماكن الأخرى، ولكن يبقى وصول المكفوفين إلى مثل هذه اللوحات ليس بالأمر اليسير، بالإضافة إلى أن هناك شريحة كبيرة من فاقدي البصر لا تجيد القراءة بطريقة برايل، فمثلا تقديرات الاتحاد الوطني للمكفوفين بالولايات المتحدة الامريكية تشير إلى أن أقل من [ 10% ] من إجمالي المكفوفين يستخدمون طريقة برايل، وأقل من هذه النسبة يعتمدون عليها بشكل أساسي في حياتهم اليومية.
وعلى الرغم من أن هناك توجه حديث في بعض الدول العربية إلى العمل على تشجيع المؤسسات التي يتم إنشاؤها أو تحديثها على وضع علامات إرشادية بطريقة برايل، ولكن حتى إذا التزمت المؤسسات بهذه السياسة، فإن الكثير من المباني القديمة ستظل دون تلك العلامات، هذا بالإضافة إلى أن أرقام الغرف والقاعات لا تمثل إلا جزءا بسيطا جدا من المعلومات المتاحة للمبصرين، فهي لا توفر معلومات مثل معلومات التواصل بالفنادق أو دليل المتاجر بالمجمعات التجارية أو لوحة الوصول والمغادرة بالمطارات، بالإضافة إلى أن العثور على أماكن اللوحات على الحوائط ما يزال أمراً محل اختلاف بين خبراء التصميم وسهولة الوصول.
وإين التقنية الحديثة من ذلك؟
يعتبر التطور التقني الحالي على صعيد تسهيل تنقل الكفيف وإمداده بالمعلومات البيئية المصاحبة ضئيلا للغاية حينما تتم مقارنته بالنهضة التكنولوجية في مجال الوصول إلى المواد المطبوعة. يرجع ذلك الاعتماد المحدود لتلك التقنيات بالأساس إلى العديد من العوامل، أحاول تلخيصها فيما يلي:
أولا، ارتفاع التكلفة
أهم تلك العوامل هي التكلفة المرتفعة لتطوير وتركيب مثل هذه الحلول. فالمبالغ المالية اللازمة لتقنيات الملاحة تلك تصل إلى المئات أو الآلاف من الدولارات، الأمر الذي يجعل من الصعب على الأفراد اقتناءها من ميزانياتهم الشخصية. وإذا كانت مؤسسات تأهيل ورعاية المكفوفين تساعد غالبا في توفير أدوات التكنولوجيا المساعدة الخاصة بالوصول للمواد المطبوعة، إلى أنها نادرا ما تولي اهتماما لتقنيات الحركة والتنقل.
ثانيا، البعد عن احتياجات المستخدمين
بالإضافة لقيود التكلفة، فإنه لن يحدث اعتماد واسع النطاق لمثل هذه التقنيات حتى يتم التركيز بشكل أكبر على العوامل الحسية المصاحبة واحتياجات المستخدم. بمعنى آخر، من الضروري البحث بشكل أكبر عما إذا كانت تلك التقنيات توفر حلا حقيقيا لمشكلة يعاني منها المكفوفون على أرض الواقع. حتى هذا الحين، ستبقى قضية التنقل السهل والآمن إحدى القضايا التي تثقل كاهل المكفوفين .
ثالثا، الفئات المستهدفة
أحد العوامل الأخرى التي يجب التركيز عليها هو عدد المستخدمين المحتملين لتقنيات الحركة والتنقل. تشير الدراسات إلى أن معظم حالات فقدان البصر تأتي كأعراض مصاحبة للتقدم في السن، كالأمراض التي تسبب الضمور البقعي والمياه الزرقاء واعتلال الشبكية بسبب السكري، وبالتالي فإنه سيكون من الصعب على متأخري السن من فاقدي البصر استخدام تقنيات معقدة، بعكس نظرائهم الأصغر سنا. ومما يزيد المشكلة تفاقما أن كبار السن عادةً ما يصاحبهم صعوبات إدراكية أو بدنية أخرى، الأمر الذي سيجعل تبني بعض التقنيات غير عملي بالمرة. لذا، فإنه من الضروري القيام بمزيد من الأبحاث لمعرفة آلية تطوير تقنيات ملاحية عملية لكبار السن من فاقدي البصر.