مقدمة
أهلاً بكم أعزاءنا القراء من جديد. في مقال سابق، تحدثنا بشكل مُبَسَّط حول معنى “سهولة الوصول” لذوي الإعاقة في عالم التقنيات الحديثة، وهو مقال ينبغي مطالعته أولاً للتمكُن من استيعاب ما سنناقشه عبر الأسطر التالية.
.
حينما يتم طرح قضية دعم إمكانية وصول برامج قراءة الشاشة (Screen Readers) لمواقع الويب التي يتم إنشاؤها، يكون أول سؤال يطرأ على أذهان مطوري تلك المواقع هو: ما أهمية ذلك بالأساس؟
والجواب يكمن في أن الاستماع لمحتوى صفحة الويب يعد خبرة جديدة للمطورين والمختبرين، إذ أنها تأخذهم خارج النمط التقليدي الذي تعودوا على اختبار صفحاتهم من خلاله، وتقييم المحتوى المعروض من وجهة نظر جديدة ومختلفة. في كثير من الأحيان، سيتمكن المطور عن طريق الاستماع من اكتشاف العديد من الأخطاء التي لم يكن بوسعه التوصل إليها بصريا. على سبيل المثال، الأخطاء الإملائية تكون واضحة حينما تسمع قارئ الشاشة يلفظ الكلمات بشكلٍ غير صحيح، كما أن لقارئ الشاشة القدرة على اختبار دقة وجودة النصوص البديلة للصور (Image Alternative texts)، وكذلك اكتشاف مشاكل ترتيب عرض الكائنات (Reading Order) وخصائص الجداول وعناصر التحكم في النماذج (Form Controls) وغيرها. لذا، فربما يكون من الأفضل للمطورين السعي لاختبار صفحاتهم مع برامج قراءة الشاشة إذا كانت لهم القدرة على فعل ذلك، خصوصا إذا كانت تلك الصفحات تشتمل على محتوى متحرك أو أكواد معقدة.
وهنا يجب التنبيه إلى أن اختبار الصفحات المصممة مع برامج قراءة الشاشة قد تكون تجربة محبطة ومعطِلة إذا لم يكن للمطور خبرة مسبقة في التعامل مع هكذا برامج. هذا لأن عدم المعرفة بقارئ الشاشة قد تؤدي إلى التصور خطأاً أن كل ما تم تصميمه غير متوافق، والحقيقة هي أن المطور ليست لديه المعرفة الكافية باستخدام قارئ الشاشة بالشكل الصحيح.
لا يعني هذا أن يسلك المطور الذي ليست لديه معرفة ببرامج قراءة الشاشة الطريق السهل ويتجنب التأكد من أن صفحات الويب التي يصممها متوافقة، بل إن المكفوفين يعدون شريحة رئيسية من المستفيدين من مجهودات دعم إمكانية الوصول بالمواقع، فمن الطبيعي أن يتم السعي لفهم احتياجاتهم. ولكن لا ينبغي أيضا الوقوع في فخ توهم أن احتياجات ذوي الإعاقة البصرية في تصميم المواقع هي كل ما يحتاجه المعاقون بصفة عامة، بل يجب إحداث توازن بين ذلك وبين احتياجات الإعاقات الحركية والإدركية وغيرها. وسنحاول في مقالاتٍ قادمة شرح بعض أساسيات استخدام أشهر برامج قراءة الشاشة كNVDA وJAWS وVoiceOver للتسهيل على المطورين والمختبرين عملية تعلم استعمال قارئ الشاشة.
صفحات الويب وقارئ الشاشة
إن برامج قراءة الشاشة ليست متصفحات للإنترنت مثل Chrome وFirefox وSafari وInternet Explorer، بل هي تعتمد في الأساس على تلك المتصفحات في عرض مواقع الإنترنت، ولكنها تستخدم طريقة مختلفة عن تلك التي يستخدمها الأشخاص العديون في الوصول إلى محتوى الويب. إذا لم يستوعب المطور هذه الاختلافات، فسيكون من الصعب عليه فهم طبيعة التحديات التي تواجه مستخدمي الويب من المكفوفين، وبالتالي لن ينجح في التصميم الصحيح لهذه الفئة.
بدايةً، يعتمد المكفوفون بشكل حصري أو رئيسي على لوحة المفاتيح في التحرك بين الكائنات والعناصر على الشاشة، كما يوجد الكثير من مفاتيح الاختصار (Shortcut keys) المتاحة لأداء مهام معينة والتي ينبغي على المستخدم تذكرها وحفظها. وفي المقابل، يعتمد المبصرون على استخدام الفأرة للتحرك على الشاشة، كما أنهم معتادون على فحص الشاشة بصريا في جميع الاتجاهات وفي نفس الوقت تقريبا. هذان الأمران يجب أن يضعهما الشخص المبصر جانبا أثناء اختباره لصفحة ويب ما مع قارئ الشاشة.
لكن عادات وأساليب تصفح محتوى الويب ما هو إلا جزء بسيط من القصة، فبرامج قراءة الشاشة تجعلك تفكر فعليا بطريقة مختلفة. فالشخص المبصر يميل إلى تصور صفحة الويب على أنها مجموعات من المعلومات المنسقة بصريا بشكل يفصل كلاً منها عن الأخرى. فعلى سبيل المثال، تحتوي معظم مواقع الإنترنت على آليات للتنقل إما في أعلى الصفحة أو على جانب المنطقة المعروضة، كما تحتوي أيضا على صور مصممة بحرفية لجذب انتباه المستخدم إلى العناصر الحيوية كالمحتوى المُضاف حديثا أو الإشعارات المهمة. فالتصميم الجيد يجذب الانتباه البصري إلى المحتوى ويستخدم تلميحات مرئية ليساعد المستخدم على فهم تنسيق وتركيبة الموقع على الفور. أما مستخدمو برامج قراءة الشاشة فلا يمكنهم استعراض صفحة الويب بأكملها بهذه السرعة، فمحتوى الويب بالنسبة لهم تتابعي ومرتكز على النصوص. إنهم عادةً لا يهتمون بموقع العنصر على الشاشة أو بكيفية ظهوره، فلن يكون مفيدا بالنسبة لهم إذا كان المحتوى المهم بالصفحة موضوعا في وسطها ومكتوبا بخط عريض ومزخرفا بأكثر التأثيرات المرئية جذبا للانتباه. فالموقع والتأثيرات المرئية لا تؤثر سلبا أو إيجابا على مدى توافقية الموقع مع قارئ الشاشة.
العرض التسلسلي للصفحات
يبدأ مستخدمو قارئ الشاشة عادةً بالاستماع إلى عنوان الصفحة إذا كان موجوداً، ثم إلى كل عنصر نصي حسب ترتيبه في الأكواد المصدرية (Source Code) للصفحة. إنهم لا يستمعون إلى الأكواد ذاتها، بل إلى جميع المحتوى النصي المعين في أكواد الصفحة. فالمهم بالنسبة لهم هو ترتيب العناصر بشكل تسلسلي في الصفحة والمحتوى النصي لهذه العناصر.
ولأجل تقريب فكرة العرض التسلسلي المنظم لعناصر صفحة الويب بشكل مبسط، بإمكان المختبِر نسخ كل محتوى الصفحة المعروض في نافذة المتصفح – وليست الأكواد المصدرية – ولصقه في محرر نصوص بسيط لا يدعم تنسيقات النصوص ولا الأنماط ولا الصور. كما أنه من الممكن أيضا استخدام شريط أدوات المطورين بفايرفوكس أو شريط أدوات WAVE لعرض المحتوى الأساسي للوثيقة.
ولكن يظل هذا تقريب بسيط لاستخدام المكفوفين لقارئ الشاشة، إذ أن لديهم معلومات متاحة أكثر من ذلك بكثير، كما أن لديهم طرق متعددة للتحرك بين هذه المعلومات. فعلى سبيل المثال، بإمكان برامج قراءة الشاشة الحديثة إعلام المستخدم ببداية القائمة (list) ونهايتها، وكذلك عدد العناصر الموجودة بالقائمة، كما أن لديهم إمكانية التحرك على جداول البيانات (Data Tables) خلية بخلية وصف بصف، كما أن بإمكانهم معرفة الخلايا التي تم تعيينها كعناوين للجدول (Table headers) إذا كان ذلك مبينا في الأكواد المصدرية بالشكل الصحيح. يمكن لمستخدمي برامج قراءة الشاشة كذلك التحرك بين العناوين الرئيسية (headings) بالصفحة والحصول على قائمة بالروابط الموجودة مرتبة أبجديا واستخدام مفتاح التنقل (Tab) للتحرك بين الروابط وعناصر تحكم النماذج، كما أن بإمكانهم البحث بالصفحة عن كلمات ما وغير ذلك من الطرق الأخرى.
هذا يعني أنه على الرغم من أن المحتوى معروض بشكل تسلسلي، فإن لمستخدمي برامج قراءة الشاشة العديد من الخيارات والطرق للتحرك على هذا المحتوى، وكل منهم له طرقه المفضلة. لا يمكن القول بأن المكفوفين يفضلون هذه الطريقة أو تلك في تصفح الويب، بل هي مسألة أذواق شخصية. من النادر أيضا أن يستمع مستخدم قارئ الشاشة إلى صفحة الويب من البداية إلى النهاية دون تخطي بعض أجزاء منها مثل شريط التصفح في الأعلى أو معلومات حقوق النسخ في الأسفل أو أي جزء آخر في المنتصف. قد يستمع المستخدم إلى الصفحة كاملة إذا لم يألف التحرك في هذه الصفحة من قبل أو إذا كان المحتوى في غاية الأهمية بالنسبة له، ولكن في غالب الأحيان سيحاول الوصول إلى ما يريد في الصفحة بأسرع طريقة ممكنة.